إلى رحمة الله

 

3- معالي الشيخ عبد الوهاب أحمد عبد الواسع رحمه الله

 0000-1427هـ = 0000-2006م

 

 

  

 

  

 

 

       بعد مشوار طويل في الجدّ والعمل والأداء والعطاء رحل عن دنيانا الرجل الكريم الحليم ذو الخلق العظيم معالي الشيخ عبد الوهاب أحمد عبدالواسع المستشار بالديوان الملكي حاليًّا ، ووزير الحج والأوقاف سابقًا ، وذلك يوم الجمعة: 17/ذوالقعدة (بالتقويم العربي) و16/ذوالقعدة 1427هـ بالتقويم الهندي الموافق 8/ ديسمبر 2006م . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

       كان الشيخ عبد الوهاب أحد المثقفين السعوديين اللامعين ممن كانت المملكة اتبعثهم خارج البلاد ليوسعوا ثقافتهم ، ويتقنوا أحدث ما وصل إليه النور الحضاريّ والتقدم العلمي من المعطيات العلمية والثقافيّة؛ حيث كان من أوائل العائدين من البعثات الأولى إلى مصر العزيزة حاملة الأزهر وقائدة قافلة العلم والثقافة في العالم العربي.

       تقلّب الشيخ رحمه الله في مناصب هامّة فأدارها بعلمه المحكم وثقافته الواسعة وتجربته الإدارية الطويلة التي كسبها من خلال إمضائه فرصة عمره في الإدارة والتنظيم . عمل في وزارة المالية ، وأمضى سنوات طويلة في وزارة المعارف التي تطورت في عهده وتفرّعت وامتدت ، حتى صارت وزارة عملاقة ؛ حيث ساعدت حنكته في ترسية القواعد الإداريّة التي أمطرت خيرًا كثيرًا في تنمية مواهب المتعلمين إلى جانب صقل قدرات المعلمين وترغيب المدرسين في تحمل العبء عن شعور كامل بالمسؤولية . وبما أن التعليم هو الركيزة الأولى لانطلاق كل تنمية في دولة ما؛ فساعدت عطاءاتُ الشيخ على تنمية المملكة الشاملة . وتلك يد منه لن تنساها .

       تحمّل الشيخ مسؤولية عدة وزارات ، كان آخرها وزارة الحج والأوقاف التي صارت رمزًا على شخصيته؛وقاف التي صارت رمزًا على شخصية وغرس فيه حبّ الطاعة ومعنى حيث شهدت في عهده تنمية شاملة، وحققت إنجازات كبيرة ، بما فيها التوسعة الجديدة للحرمين الشريفين ، والخدمات العظيمة لضيوف الرحمن ، التي استخرجت الثناء من أفواه الجميع دونما استثناء .

       وقد كان – رحمه الله – مثالاً للخلق الرفيع والتواضع وإنكار الذات ؛ فكان لايعرف التسامي ومقتضيات البروتوكول الوزاري الرسميّ . زرتُه رحمه الله أكثر من مرة في مكتبه ، فلم يحل بيني وبين لقائه أي من العوائق الوزاريّة، وبدا لي أنّى أجلس إلى إنسان عاديّ من رجال الشارع ، لايحتاج الإنسان في لقائه معه إلى التقيد بالالتزامات والترتيبات المزعجة المحرجة وكلما لقيتُه زدتُ ثناءً عليه وإعجابًا به وإيمانًا بإنسانيته التي تجلّت في أصدق صورها، وكلما جَرَّبْتُها بدت أروع مما سبق .

       في حياتي الواعية ، التي هي اليوم في بداية العقد السادس ، عرفت أناسًا كثيرين مثقفين وغير مثقفين ؛ ولكن أستطيع أن أعدّ على الأصابع أسماء من أعجبني خلقه الرفيع وحلمه الجمّ وتواضعه الصادق . وكان من بينهم الشيخ عبد الوهاب رحمه الله .

       وربما أظن أن أصحاب الحب الصافي ، والخلق الإنساني السامي ، والتواضع مع المعارف والمجاهل ، والتواصل مع القريب والبعيد ، والإحسان إلى العدو والصديق ، سيكون أحق بجنّة ربه من غيرهم ممن يشمخون بأنوفهم ؛ لأنهم مثقفون وذوو مناصب عالية أو ابتسمت الحياة في وجوههم .

       رحم الله الأستاذ الشيخ عبد الوّهاب أحمد عبد الواسع ، وأدخله فسيح جناته ، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان . ومعذرة إلى روحه من هذا التأخر الكبير في كتابة هذه الذكرى عنه؛ حيث حالت بيني وبينها أشغال مرهقة وأمراض مضنية .

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الأولى – جمادى الثانية 1428هـ = مايو – يوليو  2007م ، العـدد : 5–6 ، السنـة : 31.